" لا تسأليني يا صبية كيف أنا " بقلم عزام دبوان - حروف منفية


لا تسأليني يا صبية كيف انا، انا مثل جثة لم يجدوا لها قبرًا؛ إنني واحد من تلك النعوش المتحركة هنا؛ كنتِ الدولة التي تحرس وجودي في هذه المدينة المسلوبة، هذه المدينة التي غدت كأجيرة سَكرى ذات عشية، المدينة التي جعلت من ابنائها جوعى، يلهثون وراء طحين المنظمات وحبات عدسها طوال النهار.


لا تسأليني من يجمع شتاتنا، ولا من بمقدوره ان يعيد لهذه المدينة عذريتها، لأني لا امتلك الجواب الشافي لذلك، وإن قلت لكِ بأن جمهورية موحدة كفيلة بأن تفعل ذلك، ستقولين بأني اهذي، ولكن ذاك الهذايان هو حقيقتنا الخالصة يا رفيقة، فجراحنا المفتوحة لا يوقف نزيفها إلا وطن آمن، وطنٌ خالٍ من المظاهر المسلحة، تزين أركانه مظاهر الدوله لا مظاهر العصابات. 

إننا لا نطلب الكثير كي نعيش هنا، فقط لتلمح اعيننا جدارًا منقوش عليه علمُ لِوطننا المسلوب، حينها لن نفكر بالخروج عن جغرافيتنا ابدًا. 


المرارة أني لم افهم لِمَ يجب علينا ان نصمت، لِمَ يجب ان نكون ضحايا لمشاكلهم، الألم اني لم استوعب لماذا لا يريدوننا ان نهاجم بعدما حشرونا كالقطط في الزاوية؛ لماذا يوقفوننا في نقاطهم العسكرية وهم يدركون بأنهم اللصوص لا نحن، لماذا يفتشون حقائبنا الفارغة بعدما سرقوا ما فيها؛ لم افهم لماذا لا يريدوننا ان ندافع عن رقابنا العارية امام سكاكينهم المشحوذة..؟ لم افهم اي شيء، ولا أريد؛ يريدون سفك دمائنا البريئة كأضاحي المناسبات العيدية يا رفيقة، أتعلمين ذلك..؟ 


مذ فارقتني، وروحي راكدة كلعبة طفلٍ في اسفل البركة؛ اه كم اشتاقك يا جمهوريتي، انا لم ازل أتنفسك، لو تعلمين كم انا بحاجة لوجودك، خرجت اليوم افتش عنك بين عيون العابرات، تحت كل برقع أسود اللون يختفي خلفه وجهًا، بين الزحام وعلى شرفات المنازل، خلف كل كتاب يحجب عني وجه فتاة، بحثت في كل الأماكن، لم أجد إلا مدينة جريحة تقاسم فخذيها عبيدٌ وعسكر في ليلة شيطان.


اخبريني أي ذاكرة تستطيع نسيانكِ، أي قلب لا يمكنه الخفقان بكِ..؟ حاظرة فيني كحظور الروح في الجسد، موجودة كوجود النون في قول كن...؛ لا تقولي بأنَّا سنموت معًا، بل قولي بأني لن اموت إلا بين ذراعيك او العكس، ردديها جهرًا وهمسًا، او إيماءً من غير كلام، لأقول لكِ بأن اليوم الذي سينقطع فيه الأمل منكِ، سيكون قد سبقه يوم جنازتي ورثائي.

#عزام_دبوان

تعليقات